كتب هذا المقال منذ مدة لاتقل عن أسبوعين، لكن الكثير من الاحداث جرت وفي مقدمتها الخطاب الملكي ليوم 09 مارس وبهذا وجب وضع المقال ضمن سياقه الزمني.
غير خاف على كل متتبع لحمى استعدادات الأحزاب السياسية لانتخابات 2012 ومايرافقها من محاولات متشنجة لإعادة فرز الخريطة الحزبية بالمغرب لاسيما بعد دخول حزب الأصالة والمعاصرة على الخط محاولا إحداث خلخلة سياسية يصير من نتائجها تكوين أقطاب سياسية على أساس معين يكون فيها فاعلا رئيسا وقادرا على صناعة الحدث الانتخابي وتسليم خريطة سياسية مضمونة ومتحكم فيها.
لقد تمكن هذا الحزب من إحداث رجات تنظيمية في الساحات الداخلية للكثير من الأحزاب كما تسنى له استمالة بعض أطرها وأعيانها عبر تكوين فريقين نيابيين رهنا الحياة الحزبية حتى أضحى حزب الاستقلال بزعامة عباس الفاسي مجردا من المناعة الضرورية لممارسة دوره في قيادة أغلبية مستقرة وواضحة.
هل لازالت هذه الدينامية التي انخرط فيها حزب الأصالة والمعاصرة ذات فاعلية في هذه المرحلة التي تتسم بالهزات السياسية تلو الأخرى في العالم العربي ؟ هل سيظل هذا الحزب على نفس وجهته السلطوية لتعبيد الطريق أمام السلطة السياسية لمواجهة خريطة سياسية على المقاس ومتحكم فيها إلى أقصى حد ممكن؟
يجد هذا السؤال مشروعيته بالنظر إلى الديناميات التي ستنفتح عليها الساحة السياسية في الأيام المقبلة مع تنامي الاهتمام بما يجري داخل وخارج المغرب.
هناك عوامل عدة من المتوقع أن تتضافر لزحزحة فرضية قدرة هذا الحزب لمواصلة تقويضه لما تبقى من مناعة داخل الجسد الحزبي المستباح.
العامل الإقليمي والدولي
تعالت الأصوات بعد ثورتي تونس ومصر منادية الأنظمة العربية بعدم التدخل المباشر في الحياة السياسية عن طريق خلق أحزاب أو دعمها وتمكينها من الوسائل المادية للاستقواء على منافسيها في الحقل السياسي وبطرق هي أقرب إلى الاستبداد منها إلى التنافس الديموقراطي المدني.
سوف يدفع هذا النداء المسنود بقراءات مستقبلية للأنظمة العربية إلى عدم تكرار تجربتي تونس ومصر وغيرها حيث يتمتع الحزب الحاكم بالدعم المباشر وبأشد الوسائل خرقا لقواعد اللعبة. ومن هنا، هل سيناسب هذه الأنظمة الانحناء مرحليا للعاصفة والتراجع عن دعم أحزاب بعينها لاسيما بالنسبة لتلك التي لا تقف شرعيتها على هكذا ارتباط كما هو الحال بالنسبة للمغرب حيث الملكية متعالية زمنيا ودينيا عن الأحزاب السياسية التي لا تضمن لها سوى تنشيط ممنهج للعبة سياسية غير جدية في أحسن الأحوال.
العامل الحزبي
ربما تعي الأحزاب السياسية الدرس وتتجرأ، ليس على طرح مطالب سياسية جديدة منها إصلاحات دستورية وأخرى سياسية انسجاما مع ما يطرح حاليا كسقف للتغيير من طرف شعوب المنطقة العربية ومثال على ذلك النفس الذي انطلقت به حركة 20 فبراير، وإنما ستكتفي بتمرين سياسي مهذب لإقناع السلطات بالتخلي عن غريمها وتركه لحاله ولحجمه الطبيعي وربما في أحسن الأحوال سحب البساط من تحت أرجله المغروسة في جسم الأحزاب المنافسة له.
ومن الوسائل التي ستناسب هذا الاتجاه تكثيف النقد اللاذع لأصحاب النفوذ في حزب الأصالة والمعاصرة ومحاولة الاحتكاك بهم ميدانيا في محاولة لإعادة تركيب صورة قبيحة لهم في الأفق المنظور. لم لا والسلطة تعي صعوبة تقبل الوعي السياسي المرحلي لهذا النوع من الأحزاب الذي يواجه ضغوطا منذ ولادته غير الطبيعية في أن يصبح حزبا مرحبا به. ويمكن الاعتماد في هذه القراءة على حساسية موقف الذين خرجوا في 20 فبراير من هذا الحزب حيث رفعوا شعار "الشعب يريد إسقاط البام"، ولهذا الشعار دلالتين بارزتين:
1- الشعب هو الذي يمنح الشرعية للفاعل السياسي من حيث أنه إفراز لدينامية اجتماعية وسياسية وإيديولوجية وليس منتجا سلطويا ينزل من الفوق كما هي القرارات الإدارية.
2- البام غير مرغوب فيه ويمثل عقدة كما هو الحال بالنسبة لبعض العائلات والشخصيات النافذة سياسيا واقتصاديا والتي تفعل ما تشاء؛ تعزل وتعين حتى وهي خارج الدولة.
العامل الشعبي
لاشك أن كل الأنظمة العربية تجتاز مرحلة حرجة تختلف حدتها من نظام لآخر حسب حجم الإختلال والإفلاس الذي وصل إليه كل منها أو حسب الآفاق التي يفتحها كل نظام لمستقبل أكثر استقرارا وإصلاحا. فإذا كانت الانتخابات الأخيرة قد شهدت مقاطعة وازنة لم تليها قراءة متأنية ومتزنة تسمح بفهم لماذا يقاطع المغاربة الانتخابات وكيف يمكن إقناعهم بالمشاركة فيها، فإن الانتخابات المقبلة ستتعرض لمقاطعة أشد وليس هناك ما سيشجع المواطنين على المشاركة على ما يبدو. فهناك خطان متعارضان يرسمان اللوحة الراهنة: خط يتمثل في فقدان السياسة للمعنى بسبب غياب إصلاحات عميقة تمس السلط والثروات وأنظمة الحكامة المتعددة الترابية منها والقطاعية، وخط متصاعد لحجم مطالب التغيير بتشجيع مما تغري به المرحلة الراهنة "الموجة الرابعة" من إمكانات للحلم وللتغيير لواقع ظل عنيدا لعقد من الزمن.
إذن، ستشهد الانتخابات المقبلة دون شك امتحانا أعسر بالنظر إلى توفر إمكانيتين:
1- تكنولوجية متمثلة في تعميم التواصل الجماهيري عبر الشبكات والمنتديات الاجتماعية تسهل انتقال عدوى المقاطعة والرفض.
2- جرأة متوقعة لقوى سياسية وحقوقية واجتماعية في طرح مسألة عصيان الانتخابات كورقة ضغط للحصول على المزيد من الالتفات إليها ولمطالبها التي قد تختلف من حيث السقف والمضمون لكنها يمكن أن تتفق على ضرورة واحدة وهي إسقاط انتخابات تشكل استمرارا لمسلسل وئد مشروع الانتقال الديمقراطي الذي هبت بعض نسماته في نهاية العقد الأخير.
لكن في المقابل، يتوقع أن تجد بعض الأحزاب صعوبة وحرجا حتى في إقناع أعضائها بالمشاركة والمراهنة على انتخابات لن تخلق الجديد، وللإشارة بدأت تتعالى بعض الأصوات المنادية بالدعوة إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة إذا لم تتحرك عجلة الإصلاحات الدستورية والسياسية فعليا.
إذا تضامنت هذه العوامل السالفة العرض، ستضع المغرب أمام أسئلة مفتوحة من قبيل: لأي شيء تصلح الانتخابات المقبلة؟ وما هي وظيفة حزب الأصالة والمعاصرة الآن وفي المستقبل القريب؟ وكيف ستواجه السلطة مقاطعة الانتخابات ؟ وهل لازالت المشاركة في الانتخابات وسيلة لتجديد النخب والتناوب على السلطة؟ أم أن الانتخابات التي يراهن عليها لا تصلح إلا لإعادة تأثيث الصورة للخارج؟ وتسويق بعض مفردات الحياة السياسية شكليا مع التضحية بالجوهر الديمقراطي الذي يبحث عنه المجتمع وقواه الحية.
*